الأربعاء، ٢٧ صفر ١٤٢٩ هـ

صباح حار ولون حار بالفول أبو زيت حار


اليوم عن غير عادتي .. صحوت بشكل منعم بالاستقرار الذهني إلى حد ما. ورغم قلة تعايشي في هذا الاستقرار لمدة طويلة في الأيام الماضية؛ إلا أن اليوم على غير العادة أجد ذهني في صفاء يكاد يساعدني على التعايش اليومي مع متطلبات الحياة.
فتوجهت إلى خزانة ملابسي وانتقيت بذلة قليلاً ما ألجأ إليها في ألوان ملابسي (بذلتي ذات اللون الكافيه الفاتح) وقد يكون ارتيادي لهذا البذلة بالأخص هو أحد انعكاسات صفاء الذهن واستقرار البال الذي أعيشه اليوم. وفي أقل من 30 دقيقة كنت على باب منزلنا الواسع لأخذ دوري في الاتسانسير (تلك الآلة التي تصعد بنا تارة وتهبط بنا أخرى وكثيرا ًما تكون معلقة) وتوجهت إلى المخرج النهائي بعمارتنا الطويلة ذات الأدوار الكثيرة.
وكعادته يقف عم (حسن) بعربته المشهورة وأدواته التي أصبحت جزءً من تراث حارتنا ليقدم لي أشهى وأجمل طبق فول (حار جداً) .. متنساش تزود الملح يا أبو علي ... وهتا كمان رغيفين من المنفوخين ومحروقين الأطراف طول ... أمال فين طبق السلطة (هي مش سلطة قوي .. هي مجرد خليط من ألوان حمراء وخضراء وصفراء ... ولكنها بعيدة كل البعد عن مفهوم السلطة المعتاد في المجتمعات الشبعانة) ... ها .. توكلينا على الله .. بسم الله الرحمن الرحيم ... وفي اقل من 20 دقيقة انتهى الطبق الحار أبو سلطة.
يااااه .. هل لهذه الدرجة نحن شعب أدمن الفول وأعتاد على (ضربه) أي أكله على الصبح. ليكون بمثابة الوقود الذي يدفع بنا كآلات إنسانية في طرقات حياتنا اليومية ... حقاً له السحر الفعال الذي لم يدركه أشهر دجالين القرن العشرون حتى الآن.
كدة يبقى محتاج أني (أضرب) حبة شاي وسجارة لتكتمل دائرة الأصطباحة (على رأي ناجي الحلاق) وأبدأ في تنغيم وتنشيد المانشطات الموجودة على الصحيفة اليومية كالعادة، فتوجهت إلى عم حسن (برده) لكن المرة دي بتاع الجرائد ... فالحسنوان متواجدان داخل نطاق حارتنا .. ولكن شتان بين طعام البطون وتنغيص الذهون (الفول والجرائد) خاصة في ظل التقلبات والتغيرات السياسية والاجتماعية التي نعيشها في الفترة الحالية.
أهلا عم حسن ... (أخبار الدنيا أيه النهاردة) .. والله يا ابني الأسود متاح على كل الصفحات ومنتشر وكأنه أصبح اللون السائد والوحيد في حياتنا اليومية .. بس متقلقش .. ده ميمنعش من حبة صور ملونة على كام صفحة كدة ... يالله أهي حاجة تهون السواد ده كله.
طبعاً عم حسن بتاع الجرايد ... رغم أنه مصدر ثقافة شارعنا اليومي .. إلا أنه ميعرفش يقرأ لا عربي ولا انجليزي ولا حتى صيني .. هو مش عارف غير العلامة بتاعة المأذنة والكام تمثال الفرعوني اللي مطبوعين على الجنيه.
ماشي يا عم حسن هات واحد سواد وظبطه، وفعلاً لاقيته بحركات الجينتل مان قاويلي الجريدة ولافيفها لافتين (خوفاً على أن تفقد شيئاً من سوادها) ومديهاني ... شكراً يا أبو علي يا مثقفنا سواد في سواد.
كدة يبقى مش فاضل إلى الاستقرار الجسدي على أحد كراسي المعلم (حسن أبو فتلة) ده اسم الشهرة لصاحب القهوة البلدي اللي موجودة بين ظقاق الحارة في أخر شارعنا ... أزيك يا أبو علي ... (مش عارف هي الحتة كلها علي ولا أيه) .. المهم .. هتشربنا الشاي التحفة بتاعك ؟! .. طبعاً ديه محتاجة كلام كبير .. أصل الشاي اللي حسن بيجيبه .. رغم أننا شاهرينه بحسن فتلة نسبة إلى أن الشاي اللي الناس واخدة عليه أضبحوا بيعبوه في بكيتات بفتلة .. حفاظاً على صحة المستهلك .. بس تقريباً أبو علي طمع في الفتلة وقال ممكن يعمل من كمية الفتلة اللي في الشاي صديري أو جلباب أو لو مكملش المليون ممكن يمشي حاله ويعمل شراب يغطي بيه رجله في عز البرد القارس.
المهم أنه بدأ في توزيع البكتات فعلاً بس بدون الفتلة .. أه ما هو حسن أبو فتلة ...!!.
وبدأت في القراءة والتصفح للمنشطات .. وأنا ارتشف الشاي شرفة شرفة .. حتى انتهى الكوب دون أن ينتهي السواد الي في الجريدة ... طيب يا أبو علي واحد كمالة بقى .. أصل أنت عارف الحياة بدون شاي متمشيش .. (تبقى أنت أكيد في مصر) ... ما شربتش من شايها .. المهم .. الحمد لله السواد بتاع الجريدة أصبح في الانكماش .. وأصبحت حالتي التي نزلت بها (صفاء الذهن واستقرار البال) في التحول هي الأخرى .. وأتى وقت الرجوع .. ليس عن السواد أو الشاي أو الفول ... الرجوع عن الحياة اليومية .. لأصعد ثانية إلى مستقر سريري وأترك السواد يحيط جفوني فأنام. ... حقيقي يوم حار جداً بالسلطة :)

ليست هناك تعليقات: